بقلم الدكتور صلاح الراشد
قد قمت بعمل تمرين القناعات؟ صح؟ طبعاً لو أنت هنا تقرأ ولم تعمل التمرين ففي الغالب أنت عندك اعتراضات كثيرة على الحكومات العربية، والعالم، وأمريكا، والناس، وبلدك.. أنت ترى كل شيء خطأ حولك، لكنك لا ترى بتاتاً أنك جزء من المشكلة. توقف من اللوم والعتب على أي أحد وتوجه لغرفة النوم، وبالتحديد للمرآة، ووجه هذه المرة، لله، لنفسك كلمة تعترف فيها بأنك جزء مسؤول عما يعمله هؤلاء الحكام، وعما يحدث من فقر وبلاء للبشرية، وأنك مساهم في ذلك، وأنت اليوم تعترف، ونادم في هذه اللحظة، وتطلب من الله المغفرة، ومن نفسك العفو، ومن العالم كله السماح، وبأنك من اليوم أنت جاد في العيش بمتعة وسعادة وإنجاز، ثم تقوم بإغلاق هذه الصفخة والعودة ليوم واحد من البرنامج، وتمرحل في المتابعة. لا تغش نفسك بالاستمرار في دائرة الارتياح هذه. يكفي إلى هذا الحد. تابع هناك وسوف نلتقي فيك في نهاية البرنامج بإذن الله، وأنت أصبحت شخصاً مختلفاً وإيجابياً. تذكر أن لا نتائج دون تطبيقات. إذا كنت، كما المتوقع، عملت التمرين، وبالطريقة الصحيحة، فدعنا نتابع واحدة من أهم الجلسات في حياتك
ما عملته الآن هو أنك اكتشفت أهم القيم في حياتك (القيم جمع قيمة للأشياء التي تعطيها قيمة)، مثل: الحياة، العمل، العلم، الأسرة، الزواج، الناس، الأصدقاء، الصحة، العالم.. الخ. ثم اكتشفت قناعاتك تجاة كل قيمة من هذه القيم. سأضرب لك مثلاً لشخصين واقعيين عن الصداقات، سأسميهم منال وأمين
منال
- الصداقة جميلة
- الصداقة تفاني
- الصداقة متعة
- الصداقة محبة
- الصداقة مصدر للتشاور
- الصداقة توسع المدارك
- الصداقة شعور بالانتماء
- الصداقة اهتمام بالآخرين وعطاء
- الصداقة تطوير للذات
- الصداقة نادر وجود الصادق منها
أمين
- الصداقة غير موجودة
- الصداقة نفاق
- الصداقة مصالح فقط
- الصداقة غطاء لعقد نفسية
- الصداقة كلام عام لا وجود له
- الصداقة أنانية
- الصداقة تفاهة
- الصداقة كلشيه - مظاهر
هناك قانون كوني اسمه كما في الداخل كذلك في الخارج. هذا القانون قائم على أن ما تراه في الداخل سوف تراه يقيناً في الخارج الآن أو بعد حين. الداخل والخارج دائماً منسجمين. قل لي عن قناعاتك الداخلية أقول لك عن ما يحصل لك في الخارج. قل لي ما يجده الإنسان في الخارج أقول لك ما يحمله من قناعات في الداخل. أمين، ودون أن أعرف أي شيء عن واقعه، ليس لديه أصدقاء حقيقيين. لديه مشاكل مع من يعتقد بأنهم أصدقاء. معظم من يعرفهم لا ينسجم معهم. هو دائماً يجذب أناساً تافهين غير منسجمين مع رسالته. كل من يعرفهم يتسمون بحب المظاهر. أولئك الذين يعتقد أنهم جيدون لا يصادقونه. لذا هو يعتقد أن عندهم تكبر. منال في المقابل لديها صداقات رائعة، تستشيرهم، وتتبادل معهم المحبة والتطور، يحضرون البرامج الممتعة والمفيدة، يهتمون ببعضهم البعض، يشعرون بالحب والانتماء. لقد عرفت ذلك دون النظر في حياتهما ألبته. لأن القانون ثابت لا يتغير
ههنا سؤال: ماذا لو كانت قناعاتي إيجابية لكن واقعي سلبي. الجواب: إما أنك أجبت ليس بما تعتقد بل بما تحب أن تعتقد، فأنت لديك عقدة العرب والمسلمين اليوم، وهي عقدة خداع النفس، يقولون: "نحن خير أمة" ثم يقتلون ويسرقون ويضطهدون ويشتمون الناس ويدعون عليهم و... (صار الكلام لديك معروفاً)، وهي عقد اليهود "شعب الله المختار" ثم هم يسفكون الدماء، ويقتلون الصغار، ويحتلون البيوت، ويدمرون العمران.. عقدة الحاكم "أمير المؤمنين" أو "قائد الثورة المباركة" ثم هو يجمع من الأموال 100 مليار دولار في حسابات خاصة، ويدعم الثورات هنا وهناك، وشعبه يعاني من البطالة والتطور البطيء! أنت قد تكون مثل هؤلاء أو على مثل منهجهم! أنتبه. ليس ما تحب، بل ما هو موجود. أو أنك تكون أجبت بصدق، وهذا التغيير طرأ عليك مؤخراً، فالمسألة مسألة وقت فقط حتى يتغير واقعك للأحسن
لاحظ أن في جواب منال الأخير "الصداقات نادر وجود الصادق منها" يعني أنها لا تمتلك صداقات كثيرة رغم أن لديها صداقات إيجابية. هي بهذه القناعة حدت نفسها في القليل. لو كانت قناعة منال الأخيرة كذلك "وهي كثيرة جداً"، فسوف تجد الطيب منها بكثرة في حياتها
سؤال آخر: هل القناعات تتسبب بالواقع أم الواقع يتسبب في القناعات؟ الجواب: سؤال لا فائدة منه. هل البيضة أم الدجاجة جاءت قبل. واذا عرفت الجواب فهل ستتوقف عن أكل البيض؟ واحد آخر ممكن يجاوب: اللي جاب البيضة ديك مع دجاجة! المسألة ليست فلسفة. يهمنا النتائج. المهم أن تعرف أن القناعة تسبب واقعاً، الواقع يسبب قناعة، هناك ارتباط، التغيير في واحد منهما يغير الثاني. عند الناس أسهل أن يقولوا الواقع، ولذلك خلاص نحن معذورون أن نكون تعساء أو مظلمومين أو فقراء .. الخ. أنت صاحب القرار. أنت فقير لأنك فقير في ذهنك، لا علاقة بمبارك ولا القذافي في الموضوع. أنت لا تستطيع أن تحضر دورة مكلفة أو تشتري جهاز كمبيوتر لأنك أنت السبب مش لأن راتبك قليل! هذا أنا ناقشته في مواضع كثيرة أخرى
دعنا نكمل على هذا التمرين. الآن تحتاج أن تعمل التمرين بطريقة أكثر احترافاً. اعمل برنامج اكسل أو وورد (طبعاً لو كنت لا تعرف أكسل أو وورد فالله يعين القذافي والحكام عليك! لكن لو كنت، فعلاً، فورقة عادية من هذه التقنية التي مضى عليها قرون تجزء). ثم اكتب العنوان في الأشياء المهمة لك، اكتب الأهم بالنسبة لك، الحياة، العمل، العلم، الأسرة، الصحة، السعادة، الأصدقاء.. ثم اقرأ الجملة وأكمل ما يخرج من قناعات، بالضبط كما فعلت في المرة السابقة. لو كنت متأكداً من عمل التمرين في المرة السابقة، وعملته بطريقة صادقة ومتقنة، فلا داعي لعمله مرة أخرى. بعدها قم بتصنيف كل قناعة إلى ايجابية أو سلبية أو محايدة. كن منتبهاً أيضاً في التنصيف. العرب عندهم مشكلة ثانية! لا يتقنون التصنيف بغير خلط. مثال: المتعة، هل هي قيمة ايجابية أم سلبية؟ طبعاً هي ايجابية، لكن البعض مصنفها سلبية، لأعتقاده أنها تتناقض مع الدين! وحيث أن الدين أهم من المتعة فلذا هو يصنفها سلبية. عندما تقول أهم من الدين فأنت تقول أنهما متصادمان. هذه بحد ذاتها معضلة. الدين يجلب للانسان المتعة (هذا الأصل عندي). لولا الدين الصحيح لكنا في تعاسة مثل ما عليه الكثير من المتدينين اليوم (مسلمين ومسيحيين ويهوداً وغيرهم). فانتبه للتصنيف. المتعة ايجابية، السرور ايجابي، الفرح ايجابي. لو كان صعب عليك التصنيف فاعتبر القيمة في الآخرة وليس في الحياة. يعني قل: المتعة في الآخرة ايجابية أم سلبية؟ لو قلت سلبية، فالله يعنا نحن عليك! وضعك صعب. بعد أن تنتهي من تصنيف كل قناعة في كل قيمة قم بفرزها (هنا ينفع الوورد والأكسل للجماعة المشاركين من القرون السابقة). ضع تحت كل قيمة خانتان: الأولى فوقها علامة (-) والثانية فوقها علامة (+) ثم تحت كل واحدة القناعات السلبية والقناعات الايجابية. الآن، أنت في وضع رائع، حيث اكتشفت قناعاتك الداخلية، وهي خطوة كبيرة جداً، وصحيح أنها ليست في كل شيء، لكن في أهم الأشياء والأمور في حياتك. بعدها قارن حياتك مع قناعاتك. لو كانت مثلاً كل قناعاتك ايجابية وحياتك نتائجها سلبية، فهل هذه القناعات تغيرت مؤخراً؟ إذا كانت كذلك فهذا يعني نك في الطريق للتغيير. إذا كان الجواب بلا، فالأفضل أن تسأل شخصاً آخر عن قناعاتك. هو يقيناً لاحظها منك. لا تسأل من هو في توافق معك أو في خوف منك. سل شخصاً قريباً لكن لديه الحرية والجراءة بالتصريح. بعد ذلك تابع في الغد ما الذي سنعمله مع القناعات السلبية والايجابية
ملاحظة: هذا التمرين لا يعمل مع الكل. الأشخاص غير الشفافين يصعب عليهم جداً عمل هذا التمرين. في الغالب يكونون هربوا مبكراً، ولو استمروا فإن الأمر ليس سهلاً عليهم. لو لم يعمل فلريما تحتاج أن تستعين بمرشد لهذا التمرين. مركز الراشد في الكويت يقدم هذه الخدمة من خلال برنامج "لايف كوتش"، وقريباً سيتواجد بإذن الله على النت - الراشد أون لاين
هاك مختصراً للتمرين
- حدد أهم المجالات/القيم في حياتك كالعمل والعلم والأسرة
- أكتشف القناعات الخاصة بكل مجال/قيمة
- صنف القناعات إلى سلبية وإيجابية ومحايدة
- قارن هذه القناعات بالنتائج الحالية لحياتك في هذا الموضوع
وفقك الله
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق